تشابه مادة الفعل لا يدل على التشابه في هويته فكلاهما هم بالآخر ولكن ما هو الدليل على أن مراد همه قد تشابه مع مراد همها، فها هو القرآن يقدم أدلة كثيرة على طبيعة همها به، ولكن كل الدلائل القرآنية المقدمة لا تتحدث ولا بأي شكل من الأشكال عن أن همه كان هم الزنا، بل يمكن الجزم على أن الدليل القرآني استبعد هموم البغي جميعا، فناهيك عن أن المتحدث عنه كان من الأنبياء الذين حرص القرآن (وفق التفسير الإمامي وهو كمال الحق) على وصفهم بمنتهى أوصاف التبجيل والتعظيم، فقد حفل على التأكيد على براءته بالكامل وقدم أدلة متعددة على ذلك، ولا أوضح من الصورة التي يضع القرآن فيها أجواء هذه القصة، فلقد قدمت ضمن أجواء ترغيبية ضخمة للاطلاع على القصة كما يتجلى ذلك بقوله تعالى في مفترق الطرق الحاسمة إلى متون القصة: (نحن نقص عليك أحسن القصص) ولا تتقدم القصة بضع فقرات حتى يأتي وصف لكونه ممن علمته السماء تأويل الأحاديث، ولتعقبها مباشرة وصف كماله الروحي الذي لم يتوقف عند قيامه بأعباء الحكم والعلم لتتجاوزه إلى الحديث عن صبره بما وصفته بأنه من المحسنين (ولما بلغ أشده وآتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين) وقد جاءت قصة مراودة امرأة العزيز له بعد هذا الوصف مباشرة، فهل تريد الآيات الكريمة في تقديمها لصورة أحسن القصص وفي صورة من أوتي العلم والحكم وكان من المحسنين لتقول بأن هذا النبي سيسقط في أول امتحان له مع الإغراء الجنسي، فأي قصة يريد القرآن سردها من أجل التكامل الروحي وإذا به يصور لنا نبي السماء بهذه الصورة الهزيلة والمشينة؟ وأي عبرة يريد لنا القرآن أن نستلهمها وهو يحدثنا عن نزوات نبي السماء, وأي إخلاص لهذا النبي الذي يتحدث عنه الله سبحانه وتعالى في نفس آية الهم وهو قد كبا في واحد من أبسط الامتحانات الروحية أمام أولياء الله وأنبياءه, فهذا الامتحان لربما يكون علينا صعبا - وهو ليس بالصعب على الكثيرين منا - ولكن فرض صعوبته مع أمثالنا، أما مع الأنبياء (ع) فإمكان تصوره يغدو خرقا من التفكير، فلو صح - وهو صحيح - أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فما بالك بدرجات الأنبياء الذين هم أسمى درجة من المقربين؟ لا سيما لمثل يوسف الذي حظي بنعوت قرآنية ليس بالضرورة حصول العديد من الأنبياء عليها.
(٥٣)