اطرادا في العناية الإلهية بالطرف الثاني لهذه العلاقة لأن الله أحرص على عباده منهم وأكرم وأجود من سواه.
وبناء على ما تقدم نقول بأن مصادر الخطأ المعرفة في القرآن تنبع من مصدرين: فالأول منها هو الشيطان الرجيم. وقد وصف كيد هذا الخبيث بأنه كان ضعيفا. والثاني هو النفس الأمارة بالسوء، بما لديها من أهواء ورغبات ومخاوف ولو أردنا أن نحلل الأسباب التي تجعل الإنسان يسقط في حبائل أهواء النفس وزيغ الشيطان من جهة ويتخلف عن طاعة الله وطلب مرضاته، لاكتشفنا تمركزه في الجهل بما يترتب على المعصية وعدم النزوع إلى الكمال، وبما يترتب على الطاعة وطلب الكمال، فالإنسان الذي يجهل حرارة النار لا يتهيب منها، ولكن حينما يحصل القطع واليقين في قلبه بطبيعة الإحراق المترتب على حرارتها عندئذ فإن حذره منها يكون من البداهة بمكان بحيث إن الطفل الذي لا يعي من حياته شيئا تراه يبتعد منها إن أحس بما يحس به المكتوي بالنار، ونأخذ من هذا المثل تقريبا لسائر المعاصي والذنوب سواء تلك التي يترتب عليها عقاب نتيجة حرمتها أو تلك التي تتنافى مع الكمال ويكون عقابها ليس من صنف العقاب المترتب على فعل الحرام، وإنما يكون انحدارا في درجات القرب من الله سبحانه، وعندئذ نقول بأن المؤهل الذاتي الذي مكن المعصوم (ع) من استحقاق اللطف الإلهي سيتجسد في ساحة العلاقة مع الله بوجود رغبة جازمة على عدم المساس بكل ما لا يرضي الله، وعلى إصرار تام على فعل كل ما يعمق هذه العلاقة ويوطدها، عندئذ لن يكون المعصوم (ع) بحاجة إلا إلى العلم بما ينافي الكمال وبما يجسده أيضا، فإذا ما كانت العصمة - وهي الحجز عن الشئ - تعني أساسا العلم بالمعاصي والطاعات عندئذ فإن تلاقي القابل وهو مؤهل الذات المعصومة مع المقبول وهو العلم الناجم عن العصمة، يوجد تلازما طبيعيا لا يتفكك بين العمل والعلم، فإذا ما أضيف إلى كل ذلك العناية الإلهية فإن الحديث عن إمكانية الخطأ لدى المعصوم (ع) مهما بدا صغيرا يكون من ضروب الباطل قطعا!. خاصة وأن ذنب المقرب غير ذنب العصاة، وتخلف المتقدم غير تخلف المتأخر!. فلا تغفل.