ولو أخذنا المسألة من بعد آخر وهو إن الفعل يكون باعثه في العادة وجود حاجة مرتبطة به، وتكون دوافع هذه الحاجة إما الرغبة في حصول شئ ما أو الرهبة من حدوث شئ ما، وهذا الأمر يحصل حينما تكون الحاجات معلومة أو مظنونة بظن يعتد به، ومن الطبيعي أن نتساءل ونحن نتحدث عن ضعف المعصوم (ع) عن وجه حاجاته، فإذا ما كان متيقنا بالعوالم الإلهية ومطلعا عليها بما تستبطن الأمرين معا، فوفق أي مقياس يمكن أن نتحدث عن إمكانية تناسيه لهذه العوالم وإقباله على مجاهيل عالمنا المادي وجهله؟
على أن من حقنا أن نتساءل عن مصادر علم رائد الانحراف بضعف شخصية المعصوم (ع)، فحينما يتحدث الله عن عصمة المعصوم (ع) بهذا الجزم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فوفق أي مقياس يحدثنا هذا الرجل بأن العصمة لا تتنافى مع ضعف شخصية المعصوم (ع) أمام بعض الحالات؟
ولو كانت حجته أن القرآن الكريم قد تحدث عن بشرية الرسول (ص) ففيه أن هذا الحديث تارة يتحدث عن الخصائص الجسمانية فالرسول يتعب كما نتعب ويمرض كما نمرض ويفتقر كما نفتقر ويموت كما نموت، وأخرى يتحدث عن خصائصه الروحية والمعنوية فهذا الحديث في الواقع هو حجة بين أيدينا على فكره المنحرف، فهذا البشر رغم بشريته إلا أنه وصل إلى درجة العصمة المطلقة بحيث قيل عنه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وما تحدث به القرآن عما عرف عن هفوات الأنبياء (ع) إنما هو حديث عن هفوات في ساحة القرب وفي مضمار الكمال، ولا يمكن أن تكون من هفوات عالم الذنوب والخطايا التي يعاقب الله عليها بناره، والآيات التي قد يحتج ببعضها لا يمكن أن تتحدث عن وجود نوازع أو هموم أو خواطر أو شهوات محرمة - لو افترضنا جدلا بإمكانية وجودها - فهي إن كانت من صنف المحرم فإن الله عبر عن نفسه بأنه ستار العيوب فكيف يكشف سرا شخصيا من أسرار المعصوم (ع)؟ ولن ينفع القول بأن الله لا يسأل عما يفعل، فإن الكمال الإلهي يعني أن لا تتناقض أفعاله مع أوامره فهو من طلب منا أن نكون من ستاري العيوب فلم فعل ما أمرنا أن ننتهي عنه؟ مما يجعل هذه المقولة مخالفة صريحة لمقولة العدل الإلهي.