الإسلام، فلا بد من البراءة، لأنه بها يتم العمل. ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر: تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك إن الرأي عنك لعازب فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة، لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بأن لا يودهم ولا يبرأ منهم، بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.
وأما قوله: لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له.. فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه، لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه وإظهار البراءة.. والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر.
وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس، فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر، وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ.
على أن الفرق بينه وبين ترك لعنه رؤوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما: أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس، والإمساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم، وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب. فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء!
قال: ثم يقال للمخالفين: أرأيتم لو قال قائل قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف، فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما، ولا أن نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما.. هل كان هذا إلا كقولكم: قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن شعبة وأضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى؟!