عما في قلبه، وإني والله ما كل أجد في قلبي يعبر عنه لساني، وسأجهد وبالله التوفيق، أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية، وأقاتل عدوك في كل موطن، وأرى لك من الحق ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك.
فقال علي: رحمك الله قد أدى لسانك عما يجن ضميرك.
وسرح رضي الله عنه من الربذة إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وأيدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا، ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق، وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه.
فمضى الرجلان وبقي على بالربذة يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس وخطبهم.
خطبة علي بالربذة:
إن الله عز وجل أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد. فجرى الناس على ذلك ما شاء الله. الإسلام دينهم، والحق فيهم، والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل (عثمان) بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة. إلا أن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم. فنعوذ بالله من شر ما هو كائن أن يكون. ألا وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، واتبعوا سنته، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردوه، وارضوا بالله جل وعز ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن حكما وإماما.
إن عليا رضي الله عنه كان من فحول العلماء وخطيبا مفوها وقد توقع افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، وحض المسلمين على التمسك بالكتاب والسنة.