القوم كلهم كلامي، فتلق مني قولي فاسمعهموه، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله، فيرفع به صوته ويسمع صوته، ويسمع صوته أصحابه.
فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار إن لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدا (صلى الله عليه وآله) لبث بضع عشر سنة في قومه، يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والاعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه.
فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا، وحتى أثخن الله لرسوله بكم في الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله إليه وهو عنكم راض، وبكم قرير العين، استبدوا بهذا الأمر دون الناس.
فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو وما رأيت نوليك هذا الأمر، فإنك فينا مقنع، ولصالح المؤمنين رضا، ثم إنهم ترادوا الكلام، فقالوا: إن أتت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن عترته (1) وأولياؤه، فعلى م تنازعون الأمر من بعده؟ فقالت طائفة منهم:
فإنا نقول: فمنا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون ذلك أبدا، فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن.
وأتى عمر الخبر، فأقبل إلى منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأرسل إلى أبي بكر وأبو بكر