السلسلة ونقول معلوليته بإزاء علية علته، ومعلولية العلة بإزاء علية علة العلة وهكذا، وحينئذ نقطع النظر عن معلول ذلك الواحد إن كان له معلول، ونتم البرهان بأن نضائف معلولية الواحد ليس مع علته، وإن اتصف ذلك الواحد بها أيضا، بل مع علية علته، وحينئذ يلزم زيادة أحد المتضايفين الحقيقيين على الآخر، على تقدير عدم اشتمال السلسلة على الواجب، وهو محال، فعدم اشتماله عليه محال.
وأيضا عدم انتهاء سلسلة الموجودات إلى الواجب يستلزم انتهاؤها إليه، لأن لنا أن نفرض معلول ما إلى ما لا يتناهى سلسلة واحدة، ثم نبدأ من مبدء آخر من تلك السلسلة إلى ما لا يتناهى، فتطبق السلسلتين من المبدأين المفروضين ما امتدتا، فلا يمكن وقوع كل واحد من إحداهما بإزاء كل واحد من الأخرى، وإلا يلزم تساوي الكل والجزء، فيلزم أن ينتهي الكل والجزء، فيلزم أن ينتهي الجزء قبل أن ينتهي الكل، فالجزء متناه والكل زائد عليه بعدد متناه فهو متناه، ومنتهى السلسلة هو الواجب بالذات.
فإن قلت: لا نسلم احتياج وجود الممكن إلى المفيض، فلم لا يجوز أن يوجد بالأولوية الذاتية؟
قلت: لا يمكن وجوده بالأولوية الذاتية، لأنه على تقدير وجوده بها: فإما أن يكون الوجود عينه، أو زائدا عليه (1). وكون الوجود عينا في الأمر القائم بالذات، يستلزم امتناع العدم، فما فرضته ممكنا كان واجبا. وعلى تقدير زيادة الوجود فيه وفي الأمر القائم بالغير لا بد لصدق الموجود على الموصوف من مقتض، فإما أن يكون المقتضي هو الموصوف بالوجود، أو أمر آخر. فعلى التقدير الأول يلزم أن يكون الموصوف بالوجود موجودا قبل هذا الوجود، والمفروض كونه موجودا به.