فإن قلت: فما وجه عدم بيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهة أمره وخطأ عمر؟ حتى يعلم خطأه ويجتنب هو وسائر المؤمنين عن مثل هذه الأفعال الشنيعة.
قلت: كما لم يكتف ببيان الله تعالى، لأن الله تعالى أمر بإطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا تقييد فلم يطع، فبم يعلم أنه كان يطيع أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد البيان؟ مع جهله بمرتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ظهر من منع الكتابة الذي مر، وحكاية الحديبية الآتية.
فإن قلت: فلم لم تنزل في شأن عمر آية النفاق كما نزلت في عبد الله بن أبي؟
وعلى تقدير عدم النزول لم لم يمنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قربه، ولم يبين مرتبة عمر، حتى يظهر للأمة حاله، وأن لا يصلح للاعتماد مقاله؟
قلت: إنما كانت هذه الأمور من عمر إما من عدم اعتقاده بالنبوة، أو اعتقاده بها وجهله بمرتبتها بحيث لا يذعن بها وإن بينت، وعلى التقديرين لا يلزم نزول آية النفاق. أما على الثاني، فلأنه بظاهر الإسلام حقنت دماء جماعة، ولم يظهر نزول القرآن في شأن من ينكر بعض لوازم النبوة بمحض هذا الانكار.
وأما على الأول، فلأن كون عدم اعتقاد النبوة مطلقا من مظهر الإسلام سببا لنزول آية النفاق لم يظهر في غيره، بل إنما كان نزولها بعد تصريحهم بعدم نبوته (صلى الله عليه وآله) وإظهارهم بينهم إرادة الكيد، مثل قولهم * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * (1) وما يجري مجراهما.
وبالجملة نزول آية النفاق يدل على النفاق، وعدم نزولها لا يدل على انتفائه، لأن نزول الآية لم يكن في شأن كل واحد من المنافقين، ومن نزلت في شأنه لم تنزل لأجل كل مرتبة من مراتب النفاق.
وأما عدم منعه وطرده، فلأنه يمكن أن لا يكون طرده لائقا بالنبي (صلى الله عليه وآله) لأنه لما