فأجهشت بالبكاء راجعا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بالك؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب صدري ضربة خررت لاستي وقال: ارجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذا عمر، فقال: ما حملك يا عمر على ما فعلت؟ فقال عمر: أأنت بعثت أبا هريرة بكذا؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فيتركوا العمل خلهم يعملون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
خلهم يعملون (1).
وفيه أمور: أولها: ضرب عمر أبا هريرة لإطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتبليغ ما أمره (صلى الله عليه وآله) بتبليغه، ومع قباحة ضرب غير المستحق في هذا الفعل استخفاف برسول الله (صلى الله عليه وآله) بأقبح وجه، وعدم مبالاة منه بمخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما لا يخفى.
وثانيها: قوله " أأنت بعثت أبا هريرة؟ " بعد علمه بأنه (صلى الله عليه وآله) بعثه، لدلالة نقل أبي هريرة وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ما حملك يا عمر على ما فعلت؟ " وكون نعلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يد أبي هريرة على البعث دلالة قطعية واضحة استفهام توبيخ، كما يعلمه العارف بأسلوب الكلام، ولا يخفى شناعته، وهذا من غاية جهله بمرتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسوء الأدب بالنسبة إليه.
وثالثها: نهي عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذا الأمر يدل على أنه زعم علمه بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخطأ في هذا الأمر، واطلع على خطائه (صلى الله عليه وآله) من غير حاجة إلى التأمل، فلعله ظن نفسه أكمل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الأمر، وهذا في غاية الشناعة، لأنه لا يجوز أن يرسل الله تعالى رسوله على كل الناس، ويجعل نبوته ناسخة لجميع الأديان السابقة، وباقية إلى يوم القيامة، ولا يعلمه أمثال تلك الأمور، بل هذه الزلات منافية لمرتبة النبوة المطلقة، فكيف تجوز منه (صلى الله عليه وآله) فإذا