أما الجواب عن الآيات، فإنا نسلم أن الكفر يسقط معه استحقاق الثواب، بمعنى أنه لا يثبت استحقاقه، لا بمعنى أنه يسقط بعد ثبوته، وكل موضع تضمن ذلك، فإنه يحمل على عدم الاستحقاق، لا على سقوطه بعد الاستحقاق، لأن العقل يحظر إسقاط حق الغير بعد تحققه، ولا يمنع من كون الاستحقاق مشروطا بشئ آخر. (150)
(١٥٠) اتفقت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يجتمع للمكلف استحقاق الثواب والعقاب معا، ثم اختلفوا فيه إذا فعل طاعة ومعصية.
فذهب أبو علي الجبائي إلى القول بالإحباط والتكفير، ومعناه أن الطاعة إذا تعقبت المعصية - سواء كان أزيد أو أنقص - كفرت بها، وإن كان المتعقب هو المعصية أحبطت الطاعة.
وذهب أبو هاشم إلى القول بالموازنة، ومعناها أن المكلف إذا فعل طاعة ومعصية، فأيتهما كانت أكثر أسقطت الأخرى.
وعندنا يجوز أن يجتمع له المستحقان: الثواب والعقاب معا. قواعد المرام ص ١٦٤.
وقال الشيخ الطوسي في الاقتصاد: ولا تحابط عندنا بين الطاعة والمعصية، ولا بين المستحق عليها من ثواب وعقاب... وتعلقهم بالظواهر نحو قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقوله: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) وقوله:
(لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... أن تحبط أعمالكم) وقوله: (لئن أشركت ليحبطن عملك) لا يصح لأن الظواهر يجب أن تبنى على أدلة العقول وقد بينا بطلان التحابط، فلو كان لهذه الآيات ظواهر لوجب حملها على ما يطابق ذلك، وكيف ولا ظاهر لشئ منها، بل هي شاهدة لمذهبنا، لأن الإحباط والبطلان في جميعها يتعلق بالأعمال دون المستحق عليها، والمخالف يقول: التحابط بين المستحق عليها، ونحن يمكننا حملها على ظاهرها...
وقال الشهيد القاضي الطباطبائي في تعليقاته على اللوامع ص 389: لا نزاع في بطلان الكفر واستحقاق العقاب الذي حصل له بالإيمان، وكذا لا نزاع في بطلان الإيمان وسائر الطاعات والأعمال واستحقاق الثواب بها بالكفر... ومورد النزاع في المسألة هو المؤمن المطيع إذا فعل ما يستحق به عقابا فاختلف فيه أنه هل يجتمع له استحقاق ثواب واستحقاق عقاب أم لا؟ فذهب أهل التحقيق والنظر الدقيق من الإمامية بل أكثرهم إلى أنه يجتمع له ذلك، وقال جمهور المعتزلة: أنه لا يمكن له ذلك، وقالوا بالإحباط والتكفير، وهو على خلاف التحقيق والتحليل العلمي الصحيح...