بان تقدير " اتق " تحذيرا مما بعد ذلك المعمول، كالأسد الذي بعد إياك، وتقدير اتق، ههنا فيه بعض السماجة من حيث المعنى، إذ يصير المعنى: اتق نفسك من الأسد، ولا يقال اتقيت زيدا من الأسد، أي نحيته، ولو قال بتقدير " نح " أو " بعد " كان أولى.
قوله: " أو ذكر المحذر منه مكررا "، فيه نظر، وذلك أن " ذكر " مصدر، ففي عطفه على قوله معمول، بعد من حيث المعنى، إلا أن يقدر في الأول مضاف، أي هو ذكر معمول، أو ذكر المحذر منه، وفيه نظر أيضا، لان مراده بالتحذير: هذا المنصوب (1) لأنه في تقسيم المنصوبات، ألا ترى إلى قوله: الثاني المنادى، الثالث، ما أضمر عامله، فلا يصح: الرابع ذكر منصوب حكمه كذا.
وفي بعض النسخ، أو ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله، وليس بوجه، لان " أو " ههنا متصلة من حيث المعنى فينبغي أن يليها مثل المذكور قبل، كما في نحو: جاءني زيد أو عمرو، بلى، لو كانت منفصلة (2) جازت المخالفة بين ما بعدها وما قبلها، تقول: أنا مقيم ثم يبدو لك، فتقول: أو أمشي، بمعنى بل أنا أمشي، فيكون للاضراب عن الأول والاثبات للثاني، كما يجئ في حروف العطف، قال سيبويه في قوله تعالى: " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " (3)، لو قال أو لا تطع كفورا، لانقلب المعنى، لأنها، إذن، إضرابية بمعنى بل، فتكون للاضراب عن النهي عن طاعة الاثم، فلو قلنا ههنا: أو ذكر، لكان إضرابا عن قوله: معمول بتقدير اتق، ولا يستقيم فعلى كل وجه في لفظه نظر.
وضابط هذا الباب أن تقول: كل محذر معمول لا حذر أو بعد، أو شبههما، مذكور بعده ما هو المحذر منه إما بواو العطف أو بمن ظاهرة أو مقدرة، يجب اضمار عامله، وكذا كل محذر منه مكرر، معمول لبعد، فيدخل في الأول نحو: إياك والأسد وإياي