فلا يقال: كتبت المصحف مكان (1) ضرب زيد، كم قدمنا.
وينبغي على قول هؤلاء الأكثرين أن تحمل المقادير الممسوحة على الجهات الست، لمشابهتها لها في الانتقال فان تعيين ابتداء الفرسخ مثلا لا يختص موضعا دون موضع، بل يتحول ابتداؤه وانتهاؤه كتحول الخلف قداما، واليمين شمالا.
هذا، واعلم أنه إنما نصبت الفعل جميع أنواع الزمان، لان بعض الأزمنة، أعني الأزمنة الثلاثة، مدلوله، فطرد النصب في مدلوله وفي غيره، وأما المكان فلما لم يكن لفظ الفعل دالا على شئ منه، بل دلالته عليه عقلية لا لفظية، لان (2) كل فعل لا بدله من مكان، نصب من المكان ما شابه الزمان الذي هو مدلول الفعل، أي الأزمنة الثلاثة، وهو غير المحصور منه، والمعدود، ووجه المشابهة: التغير والتبدل في نوعي المكان، كما في الأزمنة الثلاثة.
وأما انتصاب نحو: قعدت مقعده وجلست مكانه، ونمت مبيته فلكونه متضمنا لمصدر معناه الاستقرار في ظرف فمضمونه مشعر بكونه ظرفا لحدث بمعنى الاستقرار، كما أن نفسه ظرف المضمون، بخلاف نحو: المضرب والمقتل، فلا جرم، لم ينصبه على الظرفية إلا ما فيه معنى الاستقرار.
وأما قول المصنف في الشرح (3): لما كان ظرف الزمان المعين مدلول الفعل، تعدى إليه الفعل، فهو مغالطة، منشؤها الاشتراك في لفظ المعين، وذلك أن الفعل يدل على المعين، لكن من الأزمنة الثلاثة، لا على الوقت المعين المراد به ههنا وهو المحصور، كاليوم، والشهر والليلة، والسنة، وكذا قوله: الفعل لما كان يدل على المكان المبهم تعدي إليه، غلط، أو مغالطة، وذلك لان الفعل لا يدل على المكان المبهم أصلا، لان المقصود من دلالة اللفظ