شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي - ج ١ - الصفحة ٤٨٤
" أن " نحو: إياك والأسد، يجوز فيه وجهان كونه مع الواو، ومع " من " وقد عرفت معنى العطف، وأما " من " فهو متعلق بالفعل المقدر، أي بعد نفسك من الأسد.
والذي مع " أن " يجوز فيه هذان الوجهان، نحو " إياك تحذف، وإياك من أن تحذف، ويجوز فيه وجه ثالث وهو حذف الجار، لان " أن " حرف، موصولة طويلة بصلتها لكونها مع الجملة التي بعدها بتأويل اسم، فلما طال لفظ ما هو في الحقيقة اسم واحد، أجازوا فيه التخفيف قياسا بحذف حرف الجر، الذي هو مع المجرور كشئ واحد، وكذا " أن " المصدرية، وبعد حذف الحرف صار " أن " مع صلتها في محل النصب عند سيبويه نحو: الله لأفعلن وقال الخليل والكسائي، هي باقية على ما كانت عليه من الجر.
والأول أولى لضعف حرف الجر عن العمل مقدرا، ونحو الله لأفعلن (1) نادر.
وحذف حرف الجر مع غير " أن " و " أن " سماع نحو: استغفرت الله ذنبا، أي من ذنب، وبغاه الخير، أي بغي له.
وقال الأخفش الصغير (2)، يجوز حذف حرف الجر قياسا إذا تعين وإن كان مع غير أن وأن، فلهذا لم يجز حذف الجار من إياك من الأسد، إذ ليس بقياس، ولم يسمع.
فان قيل فاحذف العاطف، قلت، حذفه أيضا لا يجوز وهو أشد من حذف حرف الجر، لأنه قياس مع أن وأن، شاذ كثير في غيرهما، وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادرا، كما قال أبو علي في قوله تعالى: " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت " (3) أي وقلت،

(1) أي بجر لفظ الجلالة بعد حذف حرف القسم.
(2) تقدم أن الأخفش إذا أطلق انصرف إلى الأوسط - سعيد بن مسعدة الذي امتلأ هذا الشرح باسمه، والأخفش الصغير، لا يذكر إلا هكذا، أو باسمه، وهو علي بن سليمان، وكنيته أبو الحسن. وهو تلميذ المبرد وأخذ عن ثعلب وله وقائع مع ابن الرومي الشاعر انتهت بصداقة بينهما، ورد مصر ومنها إلى حلب ثم عاد إلى بغداد وتوفي بها سنة 315 ه‍، والأخفش الأكبر هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد. شيخ سيبويه وسيأتي ذكره في هذا الشرح.
(3) الآية 92 من سورة التوبة.
(٤٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 ... » »»
الفهرست