فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فأخذوا أسيافهم، فسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب.
فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة، فخرج فلقى أصحابه بالكوفة، و كاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب - وكان علي قتل منهم يوم النهر عشرة - فذكروا قتلاهم، ولقى من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنة - وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال - فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها; ثم خطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشفى لي قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف و عبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب، قال: هو مهر لك، فاما قتل علي فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني! قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، و يهنئك العيش معي، وان قتلت فما عند الله خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها; قال:
فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سألت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وردان فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب; قال: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئا ادا، كيف تقدر على علي! قال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، و أدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير علي لكان أهون على، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي (صلى الله عليه وآله) وما أجدني انشرح لقتله. قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين! قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من اخواننا، فأجابه - فجاؤوا قطام - وهي في المسجد الأعظم معتكفة - فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل علي; قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني، ثم