مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا; فيا عجبا عجبا - والله - يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر; فإذا كنتم من الحر والقر تفرون; فأنتم والله من السيف أفر!
يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال. لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان; حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما منى! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأى لمن لا يطاع! (1) [540] - 50 - وقال أيضا:
[ومن كلام له (عليه السلام) بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاج بعد قصة الحكمين وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف] أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدى حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، و سألتموني التطويل، دفاع ذي الدين المطول. لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى