يبق إلا أخذهم وقبض معاوية:
فلما رأى عمرو بن العاص الحال على هذا قال لمعاوية: نرفع المصاحف وندعوهم إلى كتاب الله تعالى، فقال أصبت، فرفعوها فرجع القراء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن القتال وأقبلوا إليه وهم أربعة آلاف فارس كأنهم السد من الحديد وقالوا ابعث الأشتر عن قتال هؤلاء، فقال لهم إنها خديعة ابن العاص وشيطنته، هؤلاء ليسوا من رجال القرآن، فلم يقبلوا وقالوا لابد ان ترد الأشتر وإلا قتلناك أو سلمناك إليهم، فأنفذ علي (عليه السلام) يطلب الأشتر، فقال قد أشرفت على الفتح وليس هذا وقت طلبي، فعرفه اختلال أصحابه فرجع وعنف القراء وسبهم وسبوه وضرب وجوه دوابهم فلم يرجعوا ووضعت الحرب أوزارها.
عند ذلك بعث إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: لماذا رفعتم المصاحف؟ قالوا للدعاء إلى العمل بمضمونها وأن نقيم حكما وتقيموا حكما ينظران في هذا الأمر ويقران الحق مقره، فتبسم أمير المؤمنين [(عليه السلام)] تعجبا وقال: يا ابن أبي سفيان، أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله وأنا كتابه الناطق، إن هذا لهو العجب العجيب والأمر الغريب!
ثم قال لأولئك القراء: إنها حيلة وخديعة فعلها ابن العاص لمعاوية، فلم يسمعوا وألزموه بالتحكيم، فعين معاوية عمرو بن العاص وعين أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن العباس فلم يوافقوا، قال: فالأشتر، فأبوا وأختاروا أبا موسى الأشعري، فقال علي (عليه السلام):
إن أبا موسى الأشعري ضعيف العقل وهواه مع غيرنا، فقالوا: لابد منه، وحكموه، فخدع عمرو أبا موسى وحمله على خلع أمير المؤمنين وأنه يخلع معاوية، وأمره بالتقدم حيث هو أكبر سنا فصعد أبو موسى المنبر وخطب ونزع أمير المؤمنين [(عليه السلام)] من الخلافة: ثم قال: قم يا عمرو فافعل كذلك، فقام وصعد المنبر وخطب وأقر الخلافة في معاوية، فشتمه أبو موسى وتلاعنا.
فقال علي (عليه السلام) لأصحابه القراء العباد الذين غلبوا على رأيه بالتحكيم: ألم أقل لكم إنها حيلة فلا تنخدعوا بها فلم تقبلوا؟ قالوا: لعنهم الله، ما كان ينبغي لك أن تقبل منا