قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد: صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة، فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار.
قال [المعتصم]: وما هو؟
قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم، لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء!
قال [ابن أبي دؤاد]: فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا، قال: فأمر [المعتصم في] اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه [أي الإمام] إلى منزله، فدعاه، فأبى أن يجيبه، وقال: " قد علمت أني لا أحضر مجالسكم " فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام، وأحب أن تطأ ثيابي (1) وتدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان (من وزراء الخليفة) لقاءك.
فصار إليه، فلما طعم منه [أي من الطعام الذي دعي له] أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خير لك.
فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة (2) حتى قبض (عليه السلام) (3).
ولترسيم صورة واقعية عن مبلغ علم الإمام (عليه السلام) الذي هو في الحقيقة فيض علم النبوة الخاتمة، إلا الوحي، إذ إن علم الإمام - كما ذكرنا آنفا - متوارث ابن عن أب عن جد، فأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أوصياء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، سلسلة متصلة