عن موضعه وعليه في ذلك مشقة.
فقلت: أفعل كما أمرتني. ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت.
فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله، ودموعه ترقرق في عينيه وتذرف أحيانا. فقمت فعانقته، فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت: يا عم، أنا يحيى بن الحسين ابن زيد، ابن أخيك.
فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا وامرأة امرأة وصبيا صبيا، وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي. ثم قال: يا بني، أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف ما أكتسب - يعني من أجرة الجمل - إلى صاحبه وأتقوت باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية - يعني بظهر الكوفة - فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فأتقوته. وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتا فنشأت وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا يسقي الماء - فإنه أيسر منا وقد خطبها.
وألحت علي، فلم أقدر على إخبارها - بأن ذلك غير جائز، ولا هو بكف ء لها - فيشيع خبري، فجعلت تلح علي، فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فما أجدني آسى على شئ من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: ثم أقسم علي أن أنصرف ولا أعود إليه، وودعني، فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لأراه فلم