وسلمان أيضا كان يسمى بالمحدث - كما مر - من جهة كون محمد وعلي صلوات الله عليهما يحدثانه بالعلوم المكنونة، وفي الخبر أن أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) محدثون، أي تحدثهم الملائكة وفيهم جبرئيل من غير معاينة، ومثله قوله: إن في كل أمة محدثين من غير نبوة.
وقرئ بكسر الدال أيضا بمعنى انها كانت تحدث أمها في بطنها قبل الولادة، كما يظهر من الأخبار الواردة في حمل خديجة بها ووضعها لها، وسيجئ الإشارة إلى بعضها، أو انها أيضا كانت تحدث الملائكة كما كانت الملائكة يحدثونها، على ما مر في الأخبار السابقة.
والمصحف - بضم الميم وكسرها، والضم أشهر، والحاء المفتوحة فيهما - وهو مجتمع الصحف أي مجمعها، ومنه سمى القرآن الذي صنفه عثمان مصحفا، لأن القرآن كان قبل ذلك سورا متفرقة، وآيات متقطعة، وأوراق منتشرة، وصحفا متشتتة، فإذا جمعوا الصحف وجعلوها مجتمعة في نسخة واحدة سموها مصحفا، فهو كان في الأصل اسما للقرآن الذي كتبه عثمان بخطه، وكان يقال له الإمام أيضا أي إمام المصاحف، لكون سائر المصاحف مستنسخة منها، ثم استعمل في تلك المصاحف أيضا، ولهذا المقام تفصيل آخر.
فظاهر إطلاق مصحف فاطمة كون أصله صحفا متعددة اجتمعت في نسخة واحدة، كما يظهر مما ذكره بعض علماء الجفر انه كان أوراقا متعددة، ويسمى كل قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه شئ صحيفة.
وفي النهاية (1) انه (صلى الله عليه وآله) كتب لعيينة بن حصين كتابا، فلما أخذه قال: يا محمد أتراني حاملا إلى قومي كتابا كصحيفة المتلمس، والصحيفة الكتاب، والمتلمس شاعر معروف واسمه عبد المسيح بن جرير، كان قدم هو وطرفة الشاعر على الملك عمرو بن هند، فنقم عليهما أمرا فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين يأمره بقتلهما وقال: إني قد كتبت لكما بجائزة.