فلما جن عليهما الليل رأى سعد في البيداء أنوارا في مواضع متفرقة بعدد أوراق الصحيفة، كل منها كأنه شروق الشمس المشرقة، فقال ذلك الشيخ: قم يا سعد نطلب الأوراق، فقاما معا وتفحصا وجمعا من الأوراق تسعة وثلاثين، وكان نور الورق المتمم لأربعين يظهر لهما من مكان بعيد، فكلما طلباه لم يظفرا به إلى أن طلع الصبح.
فقال ذلك الرجل: يا سعد قد فات منا هذا الورق البتة، وإنما يصل هو إلى شيعة الزهراء ممن كان أهلا له، فأخذ الرجل الأوراق التسعة والثلاثين، وسلم بعض ودائع إلى سعد ليوصلها إلى فاطمة (عليها السلام).
فرجع سعد إليها فأخبرها الخبر، ثم انه وقع هذا الورق الفائت إلى سمت المغرب، وكان فيه أسرار وقعت في أيدي المغربيين، وذلك بأنهم أخذوا ذلك الورق فوجدوا فيه أربعين سطرا، في كل سطر علم معظم مما هو مجموع عند المغربيين، ومن جملة تلك العلوم: الطلسمات، والنيرنجات، والإخفاء، وطي الأرض، والكيمياء، والليمياء، والهيميا، والسيميا، والريميا، والنصب، والعزل، والقبض، والبسط، والعقد، والحل، والتصرف في الحياة والممات، والرزق، والرمل، والأعداد، والجفر.
وهي أحد وعشرون علما متداولا بين غير المغربيين أيضا، ولكن تسعة عشر من هذه العلوم موجودة بين المغربيين وحدهم لم تصل إلى غيرهم، وقد جمع العلوم الأحد والعشرين السيد حسين الأغلاطي وغيره من أهل هذا الفن في كتبهم، إنتهى.
بيان: لفظ المحدثة - بضم الميم، وفتح الحاء، وتشديد الدال المهملة - قرئ بفتح الدال اسم مفعول من حدثه تحديثا إذا أخبره، سميت بذلك لما ظهر من الأخبار المذكورة من أن الملائكة كانت تحدثها، وفي وصف فاطمة: ((أيتها المحدثة العليمة)) (1).