إلى الرواية: إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) لما صارت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) محزونة بالأحزان الشديدة، كان جبرئيل يجيء إليها كل يوم للوعظ والتسلية من جانب الله سبحانه، وكان يحدثها بعض الأخبار، ويتلو عليها جملة من الأسرار بما لا عين رأت ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر أو أحد من الأنام حتى الأنبياء العظام والرسل الكرام.
وكانت (عليها السلام) تكتب كل ما سمعت حتى اجتمعت عندها صحيفة مشتملة على أربعين ورقا، فلما تمت جعلتها في ظرف من الأديم، فختمته بخاتمها الكريم وسلمتها إلى سعد ملازمها وخادمها وقالت له: إذهب به إلى شرق المدينة في خارج البلدة، وسر حتى يظهر لك كثيب عظيم من الرملة، فاصعد على الكثيب ترى هناك رجلا جليلا نجيبا في الغاية، أبيض اللحية، معتدل القامة، فسلمها إليه وبلغ سلامي عليه وقل: يا سيدي هذه أمانة من سيدة النساء إليك، ووديعة أودعتها لديك لتوصلها وتؤديها إلى ولدي الأمجد حجة الله في الأرضين وخاتم الوصيين، فإذا سلمت الأمانة فاحفظ كلما يقوله لك حتى تأتيني بكل ما يقول.
ففعل سعد ما أمرته به إلى أن أراد أن يصعد على الكثيب هبت هناك ريح عاصف، وزعزع (1) قاصف، وأخذ طرف الصحيفة من يده، وضربه على أطراف هذا الجبل وتلك الأرض حتى تخرق الظرف، وطارت الريح بكل ورق من الصحيفة إلى طرف غير طرف الآخر، وسعى سعد واجتهد ليأخذ بعض الأوراق ولو واحدا منها فلم يتمكن بذلك، فجعل يبكي ويتضرع فإذا هو بالشخص الموصوف الذي أمرته بايداع الصحيفة عنده، فسأل سعدا عن جهة بكائه، فحكى قصة الواقعة وما فعل بها الريح الشديدة العاصفة، فقال: يا سعد اصبر إلى الليل بالإتفاق لعلنا نظفر ببعض الأوراق في أثناء الليل لما يظهر حينئذ من نورها كالبدر.