التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة، فالحمية من أكبر الأدوية مثل الدوالي يمنع زائده وانتشاره.
الثالث: وقال ابن القيم: ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة، وتدفعه من الداء، ولهذا أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - صهيبا، وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضره فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق وكان فيه ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدقت شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره وكذلك العكس.
الرابع: لم يكره مالك الماء الشمس مطلقا وصححه النووي في الروضة، وحكاه الروياني في البحر عن النص، ومذهب الشافعي كراهة استعماله في البلاد والأوقات الحارة، وفي الأواني المنطبعة على الأصح، دون الحجر والخشب ونحوهما، واستثنى النقدان لصفائهما، ولا يكره في الأحياض والبرك قطعا، والكراهة مخصوصة بالثوب لا البدن، ولوقت حرارته، لو برد فلا كراهة على ما صححه في الروضة، وصحح في الشرح بقاءها، وخصه صاحب التهذيب بالإناء المنسد الرأس لحبس الحرارة به، وفي شرح المهذب: الكراهة شرعية يثاب تاركها، وفي شرح التنبيه: إذا اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية، وهي للتنزيه، فلا تمنع صحة الطهارة، وقال الطبري: إن خاف الأذى جزم، وقال ابن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله.
الخامس: قوله (كله) رفع توهم المجاز في البعض، ولم يعين في شئ من الروايات الجناح الذي فيه الشفاء، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعلم أن الشفاء في الأيمن.
السادس: روى أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا (الذباب غالب عمره أربعون ليلة، والذباب كله في النار إلا النحل) وسنده لا بأس به، قال الجاحظ: كونه في النار ليس تعذيبا له، بل ليعذب به أهل النار، [قال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء، حتى أنه يلقي نفسه في كل شئ، ولو كان فيه هلاكه]. ويتولد من العفونة [ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها] ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثرب الأسود أبيض وبالعكس، وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها، ثم من