وقال الكرماني في " غرائب التفسير ": إنما اقتصر في الآية على ذكر الإنس والجن، لأنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة، قلت: وسيأتي بسط الكلام عن ذلك في الخصائص.
السادسة: قال القاضي أبو بكر: فإن قيل هل تقولون: إن غير القرآن من كلام الله تعالى معجز كالتوراة والإنجيل؟ قلنا: ليس شئ من ذلك بمعجز في النظم والتأليف، وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الاخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا، لان الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولانا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه، كما وقع في القرآن، ولان ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الاعجاز.
وقد ذكر ابن جني في " الخاطريات " في قوله تعالى: (يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) (طه: 65) إن العدول عن قوله " إما أن تلقي " لغرض أحدهما: لفظي وهو المزاوجة لرؤوس الآي، والاخر معنوي، وهو أنه سبحانه أراد أن يخبر عن قوة نفس السحرة، واستهانتهم على موسى فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منه إسنادهم الفعل إليه، ثم أورد سؤالا، وهو أنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان، فيذهب هذا المذهب من صنعه الكلام، وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم، ولهذا لا يشك في أن قوله تعالى: (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) (طه:
63) أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
السابعة: سئل الغزالي عن معنى قوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء / 82).
فأجاب: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف الدعوى، أي بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا، وهو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه، وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله وآخره، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين، وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة،