القلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما، ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال آخر، ما يخل منه إليه قال الله - سبحانه وتعالى - (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) (الحشر: 21) وقال (نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) (الزمر / 23).
وقال ابن سراقة اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره.
فقال قوم: هو الايجاز مع ا لبلاغة. وقال آخرون: هو البيان والفصاحة.
وقال آخرون: هو الرصف والنظم وقال آخرون: فهو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم، وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم، حتى إن من اقتصر على معانيه، وغير حروفه، أذهب رونقه، من اقتصر على حروفه وغير معانيه، أبطل فائدته، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه، وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكل، وسامعه لا يمل، وإن تكررت عليه تلاوته.
وقال آخرون: هو ما فيه من الاخبار عن الأمور الماضية.
وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب، والحكم على الأمور بالقطع.
وقال آخرون: هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها. قال الزركشي في " البرهان ": أجمع أهل التحقيق على أن الاعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده، فإنه جمع ذلك كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقر والجاحد، ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضا طريا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين، ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر.
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره، وجعل غيره نم الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال سبحانه وتعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) (النمل / 76) وقال القاضي وغيره من العلماء: (........) اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال حاصلها: أنه وقع بعده وجوه منها: يخص حسن تأليفه، ومنها: التئام كلمه، وفصاحته ووجوه إيجازه، من قصر وحذف جزء جملة مضاف أو موصوف أو صفة في نحو " واسأل القرية " أي أهلها ومنادون أي برجال، و " يأخذ كل