وقال الزملكاني: وجه الاعجاز راجع إلى التأليف الخاص به، لا مطلق التأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة وعلت مركباته معنى بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى.
وقال حازم في " منهاج البلغاء ": وجه الاعجاز في القرآن، من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشئ اليسير المعدود ثم تعرض الفترات الانسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريقه وأجزاء منه.
وقال ابن عطية الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه، أنه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك بأنه - عز وجل - أحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر يعمهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها الاتيان بمثله فصرفوا عن ذلك، والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط، ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولا ثم ينظر فيها فيغير فيها، وهلم جرا، وكتاب ا لله سبحانه لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة، وقامت الحجة على العالم بالعرب، إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطباء، فإن الله - عز وجل - إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهر أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره، فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته، وكذلك الطب في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الخطابي: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الاعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق، قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح الغريب السهل، ومنها الجائز الطلق الرسل، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود، فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام،