وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اهجوا قريشا، فإنه أشد عليها من رشق النبل " فأرسل إلى ابن رواحة، قال: اهجهم فهاجم، فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم ارسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه حسان، قال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي " فأتاه حسان، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، قد محص لي نسبك، والذي بعثك بالحق، لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه -: " إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله " قالت:
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى وأشفى قال حسان - رضي الله تعالى عنه -: هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء وروى ابن وهب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - أن قريشا لما هجت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ابن رواحة فذكر نحو ما تقدم وزاد، فان لا يحسن إلا في الحرب فهجاهم، فلم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسل إلى حسان، وكان يكره أن يرسل إليه، فما جاء الرسول، قال: " أما والله لأفرينهم بلساني فري الأديم " فقالت عائشة: - رضي الله تعالى عنهما - فأخرج لسانه كأنه لسان حية على طرف خال أسود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف لي بهم " فقال: والذي نفسي بيده، لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، وذكر نحو ما تقدم.
وروى مسدد وابن أبي شيبة والنسائي في السنن الكبرى عن الأسود بن سريع - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: يا رسول الله، إني مدحت الله - عز وجل - مدحة ومدحتك بأخرى، فقال: " هات وابدأ بمدحة الله عز وجل ".
وروى مسدد عن محمد بن علي - رحمه الله تعالى - أن رجلا مدح الله تعالى، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه لمدحه الله تعالى الذي خلقه، ولم يعطه لمدحه نفسه، والله تعالى أعلم.