فذكر القصة نحو ما تقدم إلى أن قال: وبدرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام. فقال: " أيكم يقضى عنى ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ ".
قال: فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله، قال وسكت أنا لسن العباس.
ثم قالها مرة أخرى، فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله. قال:
أنت؟! قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة، وإني لأعمش العينين، ضخم البطن، خمش الساقين.
وهذه الطريق فيها شاهد لما تقدم إلا أنه لم يذكر ابن عباس فيها فالله أعلم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عباد بن عبد الله الأسدي وربيعة بن ناجذ عن علي نحو ما تقدم - أو كالشاهد له - والله أعلم.
ومعنى قوله في هذا الحديث: " من يقضى عنى ديني ويكون خليفتي في أهلي "، يعنى إذا مت، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشى إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب (1) أن يقتلوه، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله، ويقضى عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (2) الآية.
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، لا يصرفه عن ذلك صارف ولا يرده ح عن ذلك راد، ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفى المواسم، ومواقف الحج.