ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم عليهم رجل من بلى يقال له مالك بن رافلة. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا فاما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة. قال ابن إسحاق ثم مضى الناس فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد الله بن رواحة فخرج في سفره ذلك مرد في علي حقيبة (1) رحله فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد ويقول:
إذا أدنيتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمي وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وغادرونا * بأرض الشام مشتهى الثواء في أبيات فلما سمعتهن بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل. قال ثم قال عبد الله بن رواحة في سفره ذلك وهو يرتجز:
يا زيد زيد اليعملات (2) الذبل * تطاول الليل هديت فأنزل ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب