الحروب واعتزالها؟! نعوذ بالله من الخذلان! وقد علم العقلاء كلهم ممن له بالسير معرفة، وبالآثار والاخبار ممارسة حال حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف كانت وحاله (عليه السلام) فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب، وجلوسه في العريش يوم جلس، وان وقوفه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوف رياسة وتدبير ووقوف ظهر وسند يتعرف أمور أصحابه، ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم وتخلفه من التقدم في أوائلهم، لأنهم متى علموا انه في آخرهم اطمأنت قلوبهم، ولم تتعلق بأمره نفوسهم، فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم، ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها، وظهر يرجعون إليه ويعلمون انه متى كان خلفهم تفقد أمورهم، وعلم مواقفهم وآوى كل انسان مكانه في الحماية والنكاية وعند المنازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف اصلح لأمرهم وأحمى وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بينهم إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم، ألا ترون ان موقف صاحب اللواء موقف شريف وان صلاح الحرب في وقوفه، وان فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات:
الأولى - حالة يتخلف ويقف آخرا ليكون سندا وقوة وردءا وعدة وليتولى تدبير الحرب ويعرف مواضع الخلل.
والحالة الثانية - يتقدم فيها في وسط الصف ليقوي الضعيف ويشجع الناكص (1).
وحالة ثالثة: وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه، فإنها آخر المنازل، وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه.