فجوازه في حقه صلى الله عليه وسلم والحالة هذه كالتيمم مع القدرة على الماء، ثم على القول بأن الاجتهاد جائز، هل يقع منه الخطأ فيه أم لا؟ فيه قولان للأصوليين:
أحدهما: لا يقع منه صلى الله عليه وسلم خطأ في اجتهاده من الخطأ مطلقا.
والثاني: نعم بشرط أن لا يقر عليه، واستدل من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: ﴿عفى الله عنك لما أذنت لهم﴾ (١)، قالوا: فعوتب صلى الله عليه وسلم حيث أذن لهم في التخلف عن الغزو في غير موضع الإذن، وأجيب عن ذلك أن عفا الله عنك افتتاح كلام أعلمه الله - تعالى - عنه به أنه لا حرج عليه فيما فعل من الإذن، وليس هو عفوا عن ذنب، إنما هو أن الله - تعالى - أعلمهم أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: عفا الله عن صدقة الخيل، والرقيق وما وجبتا قط، ومعناه ترك أن يلزمكم ذلك، قاله أبو حيان، ونقل عن أبي عبد الله بن إبراهيم ابن عرفة نفطويه، أنه قال: ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب في هذه الآية وحاشاه من ذلك بل كان له أن يفعل، وأن لا يفعل، وقد قال تعالى:
(ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء)، لأنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المخلفون في التخلف، واعتذروا فاختار صلى الله عليه وسلم أيسر الأمرين تكرما منه وتفضلا، فأبان الله - تعالى - أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا على النفاق الذي في قلوبهم، وأنهم كاذبون في الطاعة والمشاورة، قاله أبو حيان ووافقه عليه قوم، فقالوا،: ذكر العفو هنا لم يكن عن تقديم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب أن تخاطب بمثله تعظمه وترفع عن قدره، يقصدون بذلك الدعاء له، فيقولون: أصلح الله الأمير كان كذا وكذا، فعلى هذا صيغته الخبر، ومعناه الدعاء.
وكلام الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، يجب اطراحه فضلا عن أن يذكر فيرد عليه، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى﴾ (2)، ويتعلق بهذا مسألة التفويض،