أحدهما مائة دون الآخر، وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبتت حدوث الجواهر، لعدم انفكاكها عن الأعراض الحادثة.
وينتظم البرهان هكذا: الجواهر لا تفارق الحوادث، وكل ما لا يفارق الحوادث حادث.
فالجوهر حادث، والعالم إما جواهر وإما أعراض، وقد ثبت حدوثها فالعالم المؤلف منهما بأسره حادث.
والحادث: إما أن يكون الموجد له هو، وهو محال أو غيره، فهو إما حادث فيلزم الدور أو التسلسل أو قديم، وهو المطلوب كما سبق تقريره، فهذه الطريقة العامة في إثبات حدوث العالم وقدم الصانع، فهي مستفادة من إبراهيم - عليه السلام - في مقامه هذا النظري، ولقد أوتي رشده من قبل، ومتكلمو الإسلام تلاميذه في هذه الطريقة، وهي أيسر الطرق وأحسنها، والرشد الإبراهيمي عليها ظاهر، ونور برهانها ساطع باهر، وحاجه قومه هذه المحاجة إنما تقومت بإبراهيم وقومه، لأنها مفاعلة تستدعي أكثر من فريق واحد، ففيها أدل دليل على الحجاج والجدال في طلب الحق في أصول الدين وفروعه، اقتداء بإبراهيم - عليه السلام.
قال القاضي عياض - رحمه الله: فإن قلت: فما معنى قوله - تعالى:
(وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) (1)، ثم قال - تعالى - بعد عن الرسل: (فقد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها)؟ فلا يشكل عليك لفظة العود، وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم، فقد تأتي هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس له ابتداء بمعنى الصيرورة، كما جاء في حديث الجهنميين عادوا حمما، ولم يكونوا قبل كذلك ومثله قول الشاعر:
* فعادا بعد أبوالا *