أن لن نضيق عليه، كما قال تعالى: ﴿وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه﴾ (1)، فظن يونس - عليه السلام - أن الله - تعالى - لا يعاقبه على ذلك الفعل من المغاضبة لقومه، إذ ظن أنه محسن في ذلك.
وأما نهي الله - تعالى - لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يكون كصاحب الحوت، فنعم نهاه عن مغاضبة قومه، وأمره - تعالى - بالصبر على أذاهم بالمطاولة لهم، فأما قول الله - تعالى - أنه استحق الذم والملامة وأنه لولا النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت، فهذا يقين ما قلناه عن الأنبياء - عليهم السلام - يؤاخذون في الدنيا على ما فعلوه مما يظنونه خيرا وقربة إلى الله - تعالى - إذ لم يوافق ذلك مراد ربهم، وعلى هذا أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، والظلم وضع الشئ في غير موضعه، فلما وضع المغاضبة في غير موضعها، اعترف في ذلك بالظلم على أنه قصده، وهو يرى أنه ظلم.
وقال الطوفي: (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم)، قد علم أن لولا يقتضي امتناع شئ لوجود غيره، والذي امتنع ها هنا لوجود النعمة هو نبذه بالعراء مذموما، لا مجرد نبذه بالعراء وهو الصحراء لأنه قد وجد بديل، فنبذناه بالعراء وهو سقيم فدل على النبذ بالعراء مجردا عن صفة الذم بديل: (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) ومن يكن مجتبى صالحا لا يكون مذموما، وسقط بهذا اللعن على يونس - عليه السلام.
وقال يونس، عن ابن عبد الحق، عن ربيعه بن عبد الرحمن، قال:
سمعت وهب بن منبه، وهو في مسجدنا، وذكر له يونس النبي - عليه السلام - فقال: كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة، ولها أثقال، فلما جعلت عليه تفسح تحتها نفسخ الرابع تحت الحمل الثقيل، فألقاها عنه، وخرج هاربا.
قال القاضي عياص: فإن قيل: فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله - تعالى - كل يوم مائة مرة؟ ومن طريق: في اليوم أكثر من سبعين مرة فاحذر أن يقع ببالك أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في