الفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه.
ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا تحصل بالصلاة مرة واحدة في العمر، بل لو صلى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيا لحقه، ولا مؤديا لنعمته، فجعل جزاء هذه النعمة الصلاة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسمية من لم يصل عليه عند ذكر اسمه بخيلا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له منه الخير الجسيم، ثم يذكر عنده فلا يثنى عليه، ولا يبالغ في حمده، ومدحه، ويبدئ ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره، وواجب حقه، عده الناس بخيلا، لئيما، كفورا، فكيف بمن أوفى إحسانه إلى العبد يزيد على إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجى من شر الدنيا والآخرة، والذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلا عن أن يقوم بشكره؟.
أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويتفرغ الوسع في حمده ومدحه، إذا ذكر بين الملأ فلا أقل من أن يصلى عليه مرة إذا ذكر اسمه، ولهذا دعى عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم الأنف، وهو أن يلصق أنفه بالتراب.
وأيضا فإن الله تعالى: نهى الأمة أن تجعل دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا بل تدعوه: يا رسول الله، يا نبي الله، وهذا من تمام تعزيره وتوقيره، فلهذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر به، دعاءه بالرسول، والنبي، فرقا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا يجب الصلاة عليه لكان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية.
وأما التفسير الآخر وهو أن المعنى ﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾ (1) فتؤخروا الإجابة بالأعذار والعلل التي يؤخر بعضكم عن إجابة بعض بها، لكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا