لم تكن الصلاة التي فيها شغل يستباح به إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول، وقد يقال: إن المصدر هنا لم يضف إلى الفاعل ولا المفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا، وعلى هذا فيعم الأمرين معا، ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا، عن تأخير إجابته، وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه بأن يميز عن غيره في خطابه ودعائه إياهم، قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطى ء طريق الجنة، فلو لا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره، فلم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة، فمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عنده فلم يصل عليه فقد جفاه ولا يجوز لمسلم جفاؤه.
والدليل على المقدمة الأولى: حديث عبد الرازق، عن معمر، عن قتادة، يرفعه: من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي وهذا وإن كان مرسلا لا يحتج به، فله شواهد.
والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس، والأهل، والمال، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإن العبد لا يؤمن حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين كما تقدم، فإن المحبة ثلاثة أنواع:
* إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالدين.
* وأما محبة تحنن وبر ولطف، كمحبة الولد.
* وأما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضا.
ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من هذه المحبات الثلاثة، ومعلوم أن حقا ثانيا في ذلك، فلما كانت محبته صلى الله عليه وسلم فرضا وكانت توابعها من الاجلال، والتعظيم، والتوقير، والطاعة، والتقديم على النفس وإيثاره بنفسه بحيث يقي نفسه بنفسه فرضا، كانت الصلاة عليه من لوازم هذه