وقام سوق ذي المجاز فحضرت به وبها يومئذ عراف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم من هوازن، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة التي في عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب؟ فاجتمع إليه أهل الموسم فقال: اقتلوا هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه، فيقال له: ما هو؟ فيقول: رأيت غلاما وآلهته ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم.
فطلب بذي المجاز (1) فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد هذا لا تعرضه لأحد من الناس، ولقد نزل بهم عراف، فأخرج إليه صبيان أهل الحاضر وأبت حليمة أن تخرجه إليه، إلى أن غفلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من المظلة فرآه العراف فدعاه، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت، فقال: هذا نبي [هذا نبي] (2)، قالوا: فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي.
فبينا هو يوما أخيه في البهم، إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذته غمية، فجعل يكلم رسول الله فلا يجيبه، فخرج الغلام يصيح بأمه: أدركي أخي القرشي؟
فخرجت أمه تعدو، ومعها أبوه فيجدان رسول الله (ص) قاعدا منتقع اللون، فسألت أمه أخاه: ما رأيت؟ قال: رأيت طائرين أبيضين وقعا (3)، فقال أحدهما: أهو هو؟ فقال: نعم، فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه، ثم قال أحدهما: ائتني بماء ثلج، فجاء به فغسل بطنه، ثم قال:
ائتني بماء برد (4)، فجاء به فغسل بطنه ثم أعاده كما هو.
قال: فلما رأى أبواه (5) ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت: نرى أن نرده على (6) أمه، إنا نخاف أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا فنرده إلى أمه فيعالج،