الأفهار (1) وإن كان عجزها لدبراء (2) مما ننخسها، وجعل أهل الحاضر يقولون لرعيانهم: ابلغوا حيث تبلغ غنم حليمة، فيبلغون، فلا تأتي مواشيهم إلا كما كانت تأتي قبل ذلك، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس ضرع شاة لهم يقال لها (أطلال)، فما يطلب منها ساعة من الساعات إلا حلبت غبوقا وصبوحا، وما على الأرض شئ تأكله دابة (3).
فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع رؤوسها، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض (4)، ما تجد عودا تأكله، فتروح الغنم أغرث (5) منها حين غدت، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط (6).
قالوا: فمكث سنتين صلى الله عليه وسلم حتى فطم، فكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شئ على رده مكانه، لما رأوا من عظيم بركته، فلما كانوا بوادي السرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها، فرافقتهم، فسألوها، فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، وإلى حمرة في عينيه، فقالوا: يشتكي أبدا عينيه للحمرة التي فيها؟ قالت:
لا، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه، فقالوا: هذا والله نبي، فغالبوها عليه، فخافتهم أن يغلبوها، فمنعه الله عز وجل، فدخلت به على أمه، وأخبرتها بخبره، وما رأوا من بركته، وخبر الحبشة، فقالت أمه: ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة، فوالله ليكونن له شأن، فرجعت به.