تجول في الدار، وتجد شارفها قائمة تقصع بجرتها (1)، فقالت لزوجها: إن هذا المولود لمبارك؟ فقال أبوه: قد رأينا بعض بركته.
قال: ثم عمد إلى شاتها فحلبها قعبا فسقى حليمة، ثم حلبها قعبا آخر فشرب حتى روى، ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل، فحلب قعبا آخر فحقنه في سقاء (2) له ثم حدجوا (3) أتانها فركبتها حليمة، وركب الحرث شارفهم، وحملت حليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديها على الأتان فطلعا على صواحبها بوادي السرر مرتعات وهما يتواهقان في السير، فقلن: هي حليمة وزوجها، ثم قلن: هذا حمار أنجى من حمارتها، وهذا بعير أنجى من بعيرها، وما يقدران على أن يضبطا رؤوسهما حتى نزلت معهن فقلن: يا حليمة؟ ماذا صنعت؟ قالت: أخذت والله خير مولود رأيته قط وأعظمه بركة، فقالت النسوة: أهو ابن عبد المطلب؟ قالت: نعم، وأخبرتهن بما قالت آمنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمرتها أن تسأل عنه، وما رأت حليمة من إقبال درها ودر لقوحها وما رأوا من نجاء الإتان واللقحة، فقالت حليمة: فما رحلنا من منزلنا حتى رأيت الحسد في بعض نسائنا [فيمرون بسنح (4) من هذيل على عراف كبير، فقالت النسوة: سلي هذا، فجاءت حليمة إليه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته خبره وما قالت فيه آمنة، فصاح الهذلي: يا آل هذيل؟ اقتلوه... اقتلوه، وآلهته ليمكن في الأرض وإنه لينتظر من السماء أمرا، فرحن إلى بلادهن، وإنما اعتاف العائف في قبض النبي صلى الله عليه وسلم التراب حين ولد] (5).
قالت: فقدمنا على عشرة أعنز ما ير من البيت هزالا فإن كنا لتريح الإبل وإنها لحفل، فنحلب ونشرب، ونحلب شارفنا غبوقا وصبوحا (6)، وإني لأنظر إلى الشارف قد نضبت في سنامها، وأنظر إلى عجز الأتان فكأن فيها