وكان فيهم أخوان من كندة، أما أحدهما ففارق القوم قبل ذلك، وأما الآخر فلحق بأخيه حين رأى ما رأى، فبينا هو يحدثه عنها إذا رأى طيرا منها فقال: كان هذا منها، فدنا منه الطائر فقذفه بحجر فمات، فقال أخوه الناجي منها:
إنك لو رأيت ولن ترانا * لدى جنب المغمس ما لقينا خشيت الله لما بث طيرا * بظل سحابة مرت علينا وما تواكلهم يدعو بحق * كأن قد كان للحبشان دينا فلما أصبحوا الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم فلم يروا أحدا غشيهم، فبعث ابنه عبد الله على فرس له سريع ينظر ما لقوا، فإذا القوم مشدخون (1) جميعا فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال:
إن ابني أفرس العرب، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا ونذيرا.
فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت، قالوا: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعا، فخرج عبد المطلب وأصحابه فأخذوا أموالهم، فكانت أموال بني عبد المطلب من ذلك المال. وقال عبد المطلب:
أأنت منعت الجيش والأفيالا * وقد رعوا بمكة الأجبالا؟
وقد خشينا منهم القتالا * وكل أمر لهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا وقال عكرمة بن عامر العبدري:
الله ربي وولي الأنفس * أنت حبست الفيل بالمغمس فانصرف شمر بن مفصود هاربا وحده، وكان أول منزل نزله سقطت يده اليمنى، ثم نزل منزلا آخر فسقطت رجله (2) اليسرى، فأتى منزله وقومه وهو حينئذ لا أعضاء له، فأخبرهم بالخبر وقص عليهم ما لقيت جيوشه، ثم فاضت نفسه وهم ينظرون.