وذكر من طريق أبي داود حديث هيثم عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري، عن أبيه عن جده: أنه كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ رجل (بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)، فقال عمر: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابن مسعود، فقال له عمر. (حتى حين)، وكتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. والسلام.
قال ابن عبد البر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الاختيار، لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز أن يمنع منه، وهذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل. والله أعلم.
وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله مثل قول عمر هذا، أن القرآن نزل بلغة قريش بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه لأنه من رواية ثقات المدينة، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن حذيفة قدم على عثمان، وقول عثمان رضي الله عنه: فإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم.
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلغة قريش، يريد معظمة وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره نزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف بخلاف لغة قريش، وقد قال تعالى: ﴿جعلناه قرآنا عربيا﴾ (1)، ولم يقل قرشيا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: أنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر، لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا.
وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش، معناه عندي الأغلب، والله أعلم، لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القرآن من تحقيق