وما أحسن فهم قيصر ملك الروم حيث يقول: ما كان ليترك الكذب على الخلق ويكذب على الله. ومع ذلك فقد أيده الله تعالى بالآيات المعجزات، وما يمتنع عن قدر المخلوقين من براهين النبوة وأعلامها، كسجود الإبل له، وتسليم الصخور عليه، وسعي الأشجار إليه، وكلام الذئاب إياه، وحنين الخشب الموات إلى قربه، وانشقاق القمر حتى رؤي الجبل بين فلقتيه، وإخباره بالأمور قبل وقوعها، إلى غير ذلك مما سنورده إن شاء الله من الأحاديث التي تولاها أهل العدالة والصدق على روايتها، خلفا عن سلف، حتى ينتهي إلى من عاين المعجزات وشاهدها.
فجرت عندنا لذلك معجزات رسول الرسول صلى الله عليه وسلم مجرى ما شاهدناه ورأيناه، لتوفر دواعي الكافة ننقلها، وكان من أجل أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ما قصم به أعداءه في حياته، وأبقاه الله حجة على معاندي الحق بعد وفاته، وهو القرآن الذي تحدى العرب بأن يعارضوه في سورة أو سور فعجزوا.
وذلك أن الله تعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى قوم جل علمهم السحر، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إلقاء العصا حتى تصير ثعبانا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء من غير برص، فعارضوا ذلك بسحرهم فبطل عليهم، ولم يصلوا به إلى إقامة الحجة على موسى.
ولما بعث بعيسى عليه السلام إلى قوم عظم عملهم الطب، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، فانقطعوا عن مقاومته.
ولما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب، كان جل علمهم الشعر والسجع والرجز والنثر، والافتنان في القول، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به، القرآن، وقال لهم صلى الله عليه وسلم بلسان الإشارة: أنتم أرباب الفصاحة والبيان، أعلم الناس بأفانين المنطق، وأجناس القول: شعره وسجعه، ورجزه ونثره، فعارضوني بمثل سورة من القرآن الذي نزل بألفاظكم، موفقا للسانكم، لا يخالف لغتكم، ولا يخرج عن معنى