قال هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى الكوفي في الاخباري: ولي يزيد في هلال رجب سنة ستين، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وأمير الكوفة النعمان بن بشير، وأمير البصرة عبيد الله بن زياد، وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، ولم يكن ليزيد همة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة ليزيد، فكتب إلى نائب المدينة الوليد بن عتبة (1): " بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أما بعد فإن معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له، فعاش بقدر ومات بأجل، فرحمه الله، فقد عاش محمودا ومات برا تقيا والسلام (2).
وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن الفأرة: أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام. فلما أتاه نعي معاوية فظع به وكبر عليه، فبعث إلى مروان فقرأ عليه الكتاب واستشاره في أمر هؤلاء النفر، فقال: أرى أن تدعوهم قبل أن يعلموا بموت معاوية إلى البيعة (3)، فإن أبوا ضربت أعناقهم. فأرسل من فوره عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إلى الحسين وابن الزبير - وهما في المسجد - فقال لهما: أجيبا الأمير، فقالا: انصرف الآن نأتيه، فلما انصرف عنهما قال الحسين لابن الزبير: إني أرى طاغيتهم قد هلك، قال ابن الزبير: وأنا ما أظن غيره (4). قال: ثم نهض حسين فأخذ معه مواليه (5) وجاء باب الأمير فاستأذن فأذن له، فدخل وحده، وأجلس مواليه على الباب، وقال: إن سمعتم أمرا يريبكم فأدخلوا، فسلم وجلس ومروان عنده، فناوله الوليد بن عتبة الكتاب ونعى إليه معاوية، فاسترجع وقال: رحم الله معاوية، وعظم لك الاجر، فدعا الأمير إلى البيعة فقال له الحسين: إن مثلي لا يبايع سرا، وما أراك تجتزي مني بهذا، ولكن إذا اجتمع الناس دعوتنا معهم فكان أمرا واحدا، فقال له الوليد - وكان يحب العافية - فانصرف على اسم الله حتى تأتينا في جماعة الناس.
فقال مروان للوليد: والله لئن فارقك ولم يبايع الساعة ليكثرن القتل بينكم وبينه، فاحبسه ولا تخرجه حتى يبايع وإلا ضربت عنقه، فنهض الحسين وقال: يا بن الزرقاء أنت تقتلني؟ كذبت والله وأثمت. ثم انصرف إلى داره، فقال مروان للوليد: والله لا تراه بعدها أبدا. فقال الوليد:
والله يا مروان ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأني قتلت الحسين، سبحان الله! أقتل حسينا أن قال