لآتي على الآية من كتاب الله فأود أن الناس علموا منها مثل الذي أعلم، وإني لاسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو إليه، ولعلي لا أقاضي إليه ولا أحاكم أبدا وإني لاسمع بالغيث يصيب الأرض من أرض المسلمين فأفرح به ومالي بها من سائمة أبدا، ورواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن الحسن بن مكرم، عن يزيد بن هارون عن كهمس به.
وقال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة، وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ: * (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) * [ق: 19] وقال الأصمعي: عن المعتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم قال: كان في هذا المكان - وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه يعني خدي ابن عباس - مثل الشراك البالي من البكاء. وقال غيره: كان يصوم يوم الاثنين والخميس، وقال:
أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم، وروى هاشم وغيره عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن ملك الروم كتب إلى معاوية يسأله عن أحب الكلام إلى الله عز وجل. ومن أكرم العباد على الله عز وجل، ومن أكرم الإماء على الله عز وجل. وعن أربعة فيهم الروح فلم يركضوا في رحم، وعن قبر سار بصاحبه، وعن مكان في الأرض لم تطلع فيه الشمس إلا مرة واحدة، وعن قوس قزح ما هو؟ وعن المجرة. فبعث معاوية فسأل ابن عباس عنهن فكتب ابن عباس إليه: أما أحب الكلام إلى الله فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأكرم العباد على الله آدم، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شئ. وأكرم الإماء على الله مريم بنت عمران، وأما الأربعة الذين لم يركضوا في رحم فآدم وحواء وعصى موسى، وكبش إبراهيم الذي فدى به إسماعيل. وفي رواية وناقة صالح، وأما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت يونس، وأما المكان الذي لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة فهو البحر لما انفلق لموسى حتى جاز بنو إسرائيل فيه، وأما قوس قزح فأمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة باب في السماء، وفي رواية الذي ينشق منه. فلما قرأ ملك الروم ذلك أعجبه وقال: والله ما هي من عند معاوية ولا من قوله، وإنما هي من عند أهل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في هذه الأسئولة روايات كثيرة فيها وفي بعضها نظر والله أعلم.
فصل تولى ابن عباس إمامة الحج سنة خمس وثلاثين بأمر عثمان بن عفان له وهو محصور، وفي غيبته هذه قتل عثمان، وحضر ابن عباس مع علي الجمل، وكان على الميسرة يوم صفين، وشهد قتال الخوارج وتأمر على البصرة من جهة علي، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة، وزياد بن أبي سفيان على الخراج، وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم، فلم يزل عليها حتى مات علي، ويقال إن عليا عزله