مات سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين.
سنة خمسين من الهجرة ففي هذه السنة توفي أبو موسى الأشعري في قول، والصحيح سنة ثنتين وخمسين كما سيأتي.
فيها حج بالناس معاوية، وقيل ابنه يزيد، وكان نائب المدينة في هذه السنة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة والبصرة والمشرق وسجستان وفارس والسند والهند زياد. وفي هذه السنة اشتكى بنو نهشل على الفرزدق إلى زياد فهرب منه إلى المدينة، وكان سبب ذلك أنه عرض بمعاوية في قصيدة له فتطلبه زياد أشد الطلب ففر منه إلى المدينة، فاستجار بسعيد بن العاص، وقال في ذلك أشعارا، ولم يزل فيما بين مكة والمدينة حتى توفي زياد فرجع إلى بلاده، وقد طول ابن جرير هذه القصة.
وقد ذكر ابن جرير في هذه السنة من الحوادث ما رواه من طريق الواقدي: حدثني يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه أن معاوية كان قد عزم على تحويل المنبر النبوي من المدينة إلى دمشق وأن يأخذ العصاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسكها في يده إذا خطب فيقف على المنبر وهو ممسكها، حتى قال أبو هريرة وجابر بن عبد الله: يا أمير المؤمنين نذكرك الله أن تفعل هذا فإن هذا، لا يصلح أن يخرج المنبر من موضع وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يخرج عصاه من المدينة. فترك ذلك معاوية ولكن زاد في المنبر ست درجات واعتذر إلى الناس. ثم روى الواقدي أن عبد الملك بن مروان في أيامه عزم على ذلك أيضا فقيل له: إن معاوية كان قد عزم على هذا ثم ترك، وأنه لما حرك المنبر خسفت الشمس فترك. ثم لما حج الوليد بن عبد الملك أراد ذلك أيضا فقيل له: إن معاوية وأباك أرادا ذلك ثم تركاه، وكان السبب في تركه أن سعيد بن المسيب كلم عمر بن عبد العزيز أن يكلمه في ذلك ويعظه فترك. ثم لما حج سليمان أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان عزم عليه الوليد، وأن سعيد بن المسيب نهاه عن ذلك، فقال: ما أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد، وما يكون لنا أن نفعل هذا، مالنا وله، وقد أخذنا الدنيا فهي في أيدينا فنريد أن نعمد إلى علم من أعلام الاسلام يفد إليه الناس فنحمله إلى ما قبلنا. هذا ما لا يصلح رحمه الله.
وفي هذه السنة عزل معاوية عن مصر معاوية بن خديج وولى عليها من إفريقية مسلمة بن مخلد، وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري عن أمر معاوية بلاد إفريقية، واختط القيروان - وكان غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام، فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شئ من ذلك حتى أن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات يخرجن من أجحارهن هوارب - فأسلم خلق كثير من البربر فبنى في مكانها القيروان. وفيها غزا بسر بن أبي أرطاة وسفيان بن عوف أرض الروم، وفيها غزا فضالة بن عبيد البحر، وفيها توفي مدلاج بن عمرو السلمي صحابي جليل شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر له ذكرا في الصحابة.