وذكر ابن جرير من طريق المدائني وأبي مخنف: أن ابن الزبير عمد إلى ابن الحنفية وسبعة عشر رجلا من أشراف أهل الكوفة فحبسهم حتى يبايعوه، فكرهوا إن يبايعوا إلا من اجتمعت عليه الأمة، فتهددهم وتوعدهم واعتقلهم بزمزم، فكتبوا إلى المختار بن أبي عبيد يستصرخونه ويستنصرونه، ويقولون له: إن ابن الزبير قد توعدنا بالقتل والحريق، فلا تخذلونا كما خذلتم الحسين وأهل بيته (1)، فجمع المختار الشيعة وقرأ عليهم الكتاب وقال: هذا صريخ أهل البيت يستصرخكم ويستنصركم، فقام في الناس بذلك وقال: لست أنا بأبي إسحاق إن لم أنصركم نصرا مؤزرا، وإن لم أرسل إليهم الخيل كالسيل يتلوه السيل، حتى يحل بابن الكاهلية الويل، ثم وجه أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة، وظبيان بن عمر (2) التيمي في أربعمائة، وأبا المعتمر في مائة، وهانئ بن قيس في مائة، وعمير بن طارق في أربعين، وكتب إلى محمد بن الحنفية مع الطفيل بن عامر (3) بتوجيه الجنود إليه، فنزل أبو عبد الله الجدلي بذات عرق حتى تلاحق به نحو من مائة وخمسين فارسا، ثم سار بهم حتل دخل المسجد الحرام نهارا جهارا وهم يقولون: يا ثارات الحسين، وقد أعد ابن الزبير الحطب لابن الحنفية وأصحابه ليحرقهم به إن لم يبايعوه، وقد بقي من الاجل يومان، فعمدوا - يعني أصحاب المختار - إلى محمد بن الحنفية فأطلقوه من سجن ابن الزبير، وقالوا: إن أذنت لنا قاتلنا ابن الزبير، فقال: إني لا أرى القتال في المسجد الحرام، فقال لهم ابن الزبير: ليس نبرح وتبرحون حتى يبايع وتبايعوا معه، فامتنعوا عليه ثم لحقهم بقية أصحابهم فجعلوا يقولون وهم داخلون الحرم: يا ثارات الحسين فلما رأى ابن الزبير ذلك منهم خافهم وكف عنهم، ثم أخذوا محمد بن الحنفية وأخذوا من الحجيج مالا كثيرا فسار بهم حتى دخل شعب علي، واجتمع معه أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم ذلك المال. هكذا أورده ابن جرير وفي صحتها نظر والله أعلم (4).
قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة عبد الله ابن الزبير وكان نائبه بالمدينة أخاه مصعب ونائبه على البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وقد استحوذ المختار على الكوفة، وعبد الله بن خازم على بلاد خراسان، وذكر حروبا جرت فيها لعبد الله بن خازم يطول ذكرها.
فصل قال ابن جرير: وفي هذه السنة سار إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد، وذلك لثمان