باب رواية الأكابر عن الأصاغر، إلا أن يقال له صحبة، والصحيح أنه تابعي وليس بصحابي، وكان من أخص أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال غير واحد: مات في هذه السنة، وقيل سنة اثنتين وسبعين والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ففيها كان مقتل مصعب بن الزبير، وذلك أن عبد الملك بن مروان سار في جنود هائلة من الشام قاصدا مصعب بن الزبير، فالتقيا في هذه السنة، وقد كانا قبلها يركب كل واحد ليلتقي بالآخر فيحول بينهما الشتاء والبرد والوحل، فيرجع كل واحد منهما إلى بلده، فلما كان في هذا العام سار إليه عبد الملك وبعث بين يديه السرايا، ودخل بعض من أرسله إلى البصرة فدعا أهلها إلى عبد الملك في السر، فاستجاب له بعضهم، وقد كان مصعب سار إلى الحجاز فجاء ودخل البصرة على إثر ذلك، فأنب الكبراء من الناس وشتمهم ولامهم على دخول أولئك إليهم، وإقرارهم لهم على ذلك (1)، وهدم دور بعضهم، ثم شخص إلى الكوفة، ثم بلغه قصد عبد الملك له بجنود الشام فخرج إليه ووصل عبد الملك إلى مسكن، وكتب إلى المروانية الذين استجابوا لمن بعثه إليهم فأجابوه، واشترطوا عليه أن يوليهم أصبهان فقال نعم - وهم جماعة كثيرة من الامراء - وقد جعل عبد الملك على مقدمته أخاه محمد بن مروان، وعلى ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية، وعلى ميسرته خالد بن يزيد بن معاوية، وخرج مصعب وقد اختلف عليه أهل العراق، وخذلوه وجعل يتأمل من معه فلا يجدهم يقاومون أعداءه، فاستقتل وطمن نفسه على ذلك، وقال: لي بالحسين بن علي أسوة حين امتنع عن إلقائه يده، ومن الذلة لعبيد الله بن زياد، وجعل ينشد ويقول مسليا نفسه:
وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا وكان عبد الملك قد أشار عليه بعض أصحابه أن يقيم بالشام وأن يبعث إلى مصعب جيشا، فأبى وقال: لعلي إن بعثت رجلا شجاعا كان لا رأي له، ومن له رأي ولا شجاعة له، وإني أجد من نفسي بصيرا بالحرب وشجاعة، وإن مصعبا في بيت شجاعة، أبوه أشجع قرشي، وأخوه لا تجهل شجاعته، وهو شجاع ومعه من يخالفه ولا علم له بالحرب، وهو يحب الدعة والصفح، ومعي من ينصح لي ويوافقني على ما أريد، فسار بنفسه فلما تقارب الجيشان بعث عبد الملك إلى أمراء مصعب يدعوهم إلى نفسه ويعدهم الولايات، فجاء إبراهيم بن الأشتر إلى مصعب فألقى