البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٨ - الصفحة ٢٩٧
تنقمون؟ فإني أجيبكم إلى جميع ما تطلبون، وإنما يريد أن يثبطهم عن مناهضته حتى يقدم إبراهيم بن الأشتر، وقال: إن كنتم لا تصدقونني في أمر محمد بن الحنفية فابعثوا من جهتكم وأبعث من جهتي من يسأله عن ذلك، ولم يزل يطاولهم حتى قدم ابن الأشتر بعد ثلاث، فانقسم هو والناس فرقتين، فتكفل المختار بأهل اليمن، وتكفل ابن الأشتر بمضر وعليهم شبث بن ربعي، وكان ذلك بإشارة المختار، حتى لا يتولى ابن الأشتر بقتال قومه من أهل اليمن فيحنو عليهم وكان المختار شديدا عليهم.
ثم اقتتل الناس في نواحي الكوفة قتال عظيما وكثرت القتلى بينهم من الفريقين، وجرت فصل وأحوال حربية يطول استقصاؤها، وقتل جماعة من الاشراف، منهم عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي، وسبعمائة وثمانين رجلا من قومه (1)، وقتل من مضر بضعة عشر رجلا، ويعرف هذا اليوم بجبانة السبيع، وكان ذلك يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة ست وستين، ثم كانت النصرة للمختار عليهم، وأسر منهم خمسمائة أسير، فعرضوا عليه فقال: أنظروا من كان منهم شهد مقتل الحسين فاقتلوه، فقتل منهم مائتان وأربعون رجلا (2)، وقتل أصحابه منهم من كان يؤذيهم ويسئ إليهم بغير أمر المختار، ثم أطلق الباقين، وهرب عمرو بن الحجاج الزبيدي، وكان ممن شهد قتل الحسين فلا يدري أين ذهب من الأرض.
مقتل شمر بن ذي الجوشن أمير السرية التي قتلت حسينا وهرب أشراف الكوفة إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير، وكان ممن هرب لقصده شمر بن ذي الجوشن قبحه الله، فبعث المختار في أثره غلاما له يقال له زرنب (3)، فلما دنا منه قال شمر لأصحابه: تقدموا وذروني وراءكم بصفة أنكم قد هربتم وتركتموني حتى يطمع في هذا العلج، فساقوا وتأخر شمر فأدركه زرنب فعطف عليه شمر فدق ظهره فقتله، وسار شمر وتركه، وكتب كتابا إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة ينذره بقدومه عليه، ووفادته إليه، وكان كل من فر من هذه الوقعة يهرب إلى مصعب بالبصرة، وبعث شمر الكتاب مع علج من علوج قرية قد نزل عندها يقال لها الكلبانية (4) عند نهر إلى جانب تل هناك، فذهب ذلك العلج فلقيه علج آخر فقال

(1) في ابن الأعثم 6 / 151: فحصر من كان قتل من أصحاب المختار فكانوا مائة وخمسة وثلاثين رجلا، وأحصي من قتل من الخارجين عليه فكانوا ستمائة وأربعين رجلا، فذلك سبعمائة وخمسة وسبعون رجلا.
(2) في الطبري وابن الأثير: مائتان وثمانية وأربعين رجلا.
(3) في الطبري 7 / 121: زربيا، وفي ابن الأثير 4 / 236 زربى، وفي ابن الأعثم 6 / 155: رزين وفي تهذيب ابن عساكر 6 / 339: زريق.
(4) في ابن الأثير والطبري: الكلتانية، وانظر ابن الأعثم ومعجم البلدان.
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست