ثم دخلت سنة تسع وخمسين فيها شتى عمرو بن مرة الجهني في أرض الروم في البر، قاله الواقدي، ولم يكن فيها غزو في البحر، وقال غيره: بل غزا في البحر عامئذ جنادة بن أبي أمية. وفيها عزل معاوية ابن أم الحكم عن الكوفة لسوء سيرته فيهم، وولى عليهم النعمان بن بشير. وفيها ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد ولاية خراسان وعزل عنها سعيد بن عثمان بن عفان، فصار عبيد الله على البصرة، وأخوه عبد الرحمن هذا على خراسان، وعباد بن زياد على سجستان، ولم يزل عبد الرحمن عليها واليا إلى زمن يزيد، فقدم عليه بعد مقتل الحسين فقال له: كم قدمت به من هذا المال؟ قال: عشرون ألف ألف، فقال له: إن شئت حاسبناك، وإن شئت سوغناكها وعزلناك عنها، على أن تعطي عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم، قال: بل سوغها، وأما عبد الله بن جعفر فأعطيه ما قلت ومثلها معها، فعزله وولى غيره، وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم، وقال: خمسمائة ألف من جهة أمير المؤمنين، وخمسمائة ألف من قبلي. وفي هذه السنة وفد عبيد الله بن زياد على معاوية ومعه أشراف أهل البصرة والعراق، فاستأذن لهم عبد الله عليه على منازلهم منه، وكان آخر من أدخله على معاوية الأحنف بن قيس، - ولم يكن عبيد الله يجله - فلما رأى معاوية الأحنف رحب به وعظمه وأجله وأجلسه معه على السرير، ورفع منزلته، ثم تكلم القوم فأثنوا على عبيد الله والأحنف ساكت، فقال له معاوية: مالك يا أبا بحر لا تتكلم؟ فقال له: إن تكلمت خالفت القوم، فقال معاوية: انهضوا فقد عزلته عنكم فاطلبوا واليا ترضونه، فمكثوا أياما يترددون إلى أشراف بني أمية، يسألون كل واحد أن يتولى عليهم فلم يقبل أحد منهم ذلك، ثم جمعهم معاوية فقال: من اخترتم؟ فاختلفوا عليه، والأحنف ساكت، فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد غير أهل بيتك فرأيك فقال معاوية: قد أعدته إليكم. وقال ابن جرير: قال الأحنف: يا أمير المؤمنين إن وليت علينا من أهل بيتك فإنا لا نعدل بعبيد الله بن زياد أحدا، وإن وليت علينا من غيرهم فانظر لنا في ذلك.
فقال معاوية: قد أعدته إليكم. ثم إن معاوية أوصى عبيد الله بن زياد بالأحنف خيرا، وقبح رأيه فيه وفي مباعدته، فكان الأحنف بعد ذلك أخص أصحاب عبيد الله، ولما وقعت الفتنة لم يف لعبيد الله غير الأحنف بن قيس، والله أعلم.
قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد عبيد الله وعباد ذكر ابن جرير عن أبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره أن هذا الرجل كان شاعرا، وكان مع عباد بن زياد بسجستان، فاشتغل عنه بحرب الترك، وضاق على الناس علف الدواب، فقال ابن مفرغ شعرا يهجو به ابن زياد على ما كان منه فقال:
ألا ليت اللحى كانت حشيشا * فنعلفها خيول المسلمينا