لا أبايع؟ والله إني لأظن أن من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة. وبعث الوليد إلى عبد الله بن الزبير فامتنع عليه وماطله يوما وليلة، ثم إن ابن الزبير ركب في مواليه واستصحب معه أخاه جعفرا وسار إلى مكة على طريق الفرع، وبعث الوليد خلف ابن الزبير الرجال (1) والفرسان فلم يقدروا على رده، وقد قال جعفر لأخيه عبد الله وهما سائران متمثلا بقول صبرة الحنظلي:
وكل بني أم سيمسون ليلة * ولم يبق من أعقابهم غير واحد فقال: سبحان الله! ما أردت إلى هذا؟ فقال: والله ما أردت به شيئا يسوءك، فقال: إن كان إنما جرى على لسانك فهو أكره إلي، قالوا وتطير به. وأما الحسين بن علي فإن الوليد تشاغل عنه بابن الزبير وجعل كلما بعث إليه يقول حتى تنظر وننظر، ثم جمع أهله وبنيه وركب ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب من هذه السنة (2)، بعد خروج ابن الزبير بليلة، ولم يتخلف عنه أحد من أهله سوى محمد بن الحنفية، فإنه قال له: والله يا أخي لأنت أعز أهل الأرض علي، وإني ناصح لك لا تدخلن مصرا من هذه الأمصار، ولكن أسكن البوادي والرمال، وابعث إلى الناس فإذا بايعوك واجتمعوا عليك فادخل المصر، وإن أبيت إلا سكنى المصر فاذهب إلى مكة، فإن رأيت ما تحب وإلا ترفعت إلى الرمال والجبال فقال له: جزاك الله خيرا فقد نصحت وأشفقت، وسار الحسين إلى مكة فاجتمع هو وابن الزبير بها، وبعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال: بايع ليزيد، فقال: إذا بايع الناس بايعت، فقال رجل: إنما تريد أن تختلف الناس ويقتتلون حتى يتفانوا، فإذا لم يبق غيرك بايعوك؟ فقال ابن عمر: لا أحب شيئا مما قلت، ولكن إذا بايع الناس فلم يبق غيري بايعت، وكانوا [لا] (2) يتخوفونه. وقال الواقدي: لم يكن ابن عمر بالمدينة حين قدم نعي معاوية، وإنما كان هو وابن عباس بمكة فلقيهما وهما مقبلان منها الحسين وابن الزبير، فقال: ما وراءكما؟ قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد بن معاوية، فقال لهما ابن عمر: اتقيا الله ولا تفرقا بين جماعة المسلمين، وقدم ابن عمر وابن عباس إلى المدينة فلما جاءت البيعة من الأمصار بايع ابن عمر مع الناس، وأما الحسين وابن الزبير فإنهما قدما مكة فوجدا بها عمرو بن سعيد بن العاص فخافاه وقالا: إنا جئنا عواذا بهذا البيت.
وفي هذه السنة في رمضان منها عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة لتفريطه، وأضافها إلى عمرو بن سعيد بن العاص نائب مكة (4)، فقدم المدينة في رمضان، وقيل