وقال محمد بن سيرين: جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * [النساء: 48] اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له. وقال العتبي عن أبيه: تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو في السياق:
هو الموت لا منجا من الموت والذي * نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع ثم قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك. ورواه ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء فذكر مثله، وزاد: ثم مات. وقال غيره:
أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يقي من لا يتقي، ثم مات (1) رحمه الله وقد روى أبو مخنف عن عبد الملك بن نوفل. قال: لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس - وأكفان معاوية على يديه - فقال بعد حمد الله والثناء عليه:
إن معاوية الذي كان سور العرب وعونهم وجدهم، قطع الله به الفتنة، وملكه على العباد، وفتح به البلاد، ألا إنه قد مات وهذه أكفانه، فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله، ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى. ثم نزل وبعث البريد إلى يزيد بن معاوية يعلمه ويستحثه على المجئ (2).
ولا خلاف أنه توفي بدمشق في رجب سنة ستين. فقال جماعة: ليلة الخميس للنصف من رجب سنة ستين، وقيل ليلة الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين. قاله ابن إسحاق وغير واحد، وقيل لأربع خلت من رجب، قاله الليث. وقال سعد بن إبراهيم لمستهل رجب، قال محمد بن إسحاق والشافعي: صلى عليه ابنه يزيد، وقد ورد من غير وجه أنه أوصى إليه أن يكفن في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كساه إياه، وكان مدخرا عنده لهذا اليوم، وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره في فمه وأنفه وعينيه وأذنيه. وقال آخرون: بل كان ابنه يزيد غائبا فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق، ثم دفن فقيل بدار الامارة وهي