أنه كان ضالا مضلا أراح الله المسلمين منه بعد ما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين، كما قال تعالى: * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * [الانعام: 129] وأما المبير فهو القتال وهو الحجاج بن يوسف الثقفي نائب العراق لعبد الملك بن مروان، الذي انتزع العراق من يد مصعب بن الزبير، كما سيأتي بيانه قريبا.
وذكر الواقدي أن المختار لم يزل مظهرا موافقة ابن الزبير حتى قدم مصعب إلى البصرة في أول سنة سبع وستين وأظهر مخالفته فسار إليه مصعب فقاتله وكان المختار في نحو من عشرين ألفا، وقد حمل عليه المختار مرة فهزمه، ولكن لم يثبت جيش المختار حتى جعلوا ينصرفون إلى مصعب ويدعون المختار، وينقمون عليه ما هو فيه من الكهانة والكذب، فلما رأى المختار ذلك انصرف إلى قصر الامارة فحاصره مصعب فيه أربعة أشهر، ثم قتله في رابع عشر رمضان سنة سبع وستين، وله من العمر سبع وستون سنة فيما قيل.
فصل ولما استقر مصعب بن الزبير بالكوفة بعث إلى إبراهيم بن الأشتر ليقدم عليه، وبعث إليه عبد الملك بن مروان ليقدم عليه (1)، فحار ابن الأشتر في أمره، وشاور أصحابه إلى أيهما يذهب، ثم اتفق رأيهم على الذهاب إلى بلدهم الكوفة، فقدم ابن الأشتر على مصعب بن الزبير فأكرمه وعظمه واحترمه كثيرا، وبعث مصعب المهلب بن أبي صفرة على الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية، وكان قد استخلف على البصرة حين خرج منها عبيد الله بن عبد الله بن معمر، وأقام هو بالكوفة، ثم لم تنسلخ هذه السنة حتى عزله أخوه عبد الله بن الزبير عن البصرة وولى عليها ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، وكان شجاعا جوادا مخلطا يعطي أحيانا حتى لا يدع شيئا، ويمنع أحيانا ما لم يمنع مثله، وظهرت خفة وطيش في عقله، وسرعة في أمره، فبعث الأحنف إلى عبد الله بن الزبير فعزله وأعاد إلى ولايتها أخاه مصعبا مضافا إلى ما بيده من ولاية الكوفة، قالوا: وخرج حمزة بن عبد الله بن الزبير من البصرة بمال كثير من بيت مالها، فعرض له مالك بن مسمع، فقال: لا ندعك تذهب بأعطياتنا، فضمن له عبيد الله بن معمر العطاء فكف عنه، فلما انصرف حمزة لم يقدم على أبيه مكة، بل عدل إلى المدينة، فأودع ذلك المار رجالا فكلهم غل ما أودعه وجحده، سوى رجل من أهل الكتاب، فأدى إليه أمانته. فلما بلغ أباه ما صنع قال: أبعده الله، أردت أن أباهي به بني مروان فنكص. وذكر أبو مخنف أن حمزة بن عبد الله بن الزبير ولي البصرة سنة كاملة فالله أعلم.
قال ابن جرير: وحج بالناس فيها عبد الله بن الزبير، وكان عامله على الكوفة أخاه